المحور المصري :
أحببت أن أبدأ بهذه المقدّمة القصيرة بغية الدخول إلى قضيّة عروبة وحلا بركات التي كانت غامضة حتى الأمس القريب، ليستغل هذا الوضع أعداء سوريا بغية سوق البنان نحو الحكومة السورية باعتبار أن حلا وابنتها من الأصوات المعارضة، ليتبيّن لاحقاً أنّ دوافع شخصيّة ومالية تقف خلف الجريمة البشعة.
حاول أعداء الدولة السورية تكرار تجربة المسلسلات السوريّة الكوميدية –الاجتماعيّة على أرض الواقع، وبصيغة جديّة، إلا أن القضاء التركي، الذي لو أراد الانحياز بطبيعة الحال سينحاز إلى فرضية “وقوف النظام خلف الجريمة” بسبب العداء القائم بين البلدين، أثبت الدوافع خلف الجريمة حيث اعترف أحمد بركات قريب الناشطة السورية المعارضة، المغدورة “عروبة بركات”، أمام قاضي محكمة الصلح والجزاء المناوبة في إسطنبول، الجمعة 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، “أنا من قتل عروبة وحلا بركات، أعترف بذلك، وكلتاهما قريبتاي، وعروبة تكون ابنة عم أبي“.
المجرم سرد قصّته مع الضحيتين، واوضح عدم وقوف أي جهة خلفه، ولسنا في وارد التطرّق إليها أو تفنيدها كونها ليست من اختصاصنا بل من اختصاص القضاء، رغم انها لم تخلو من بعض الشبهات التي أراد بركات استخدامها لتبرئة ساحته، أو الافلات من العقاب من قبيل اتهام عروبة برفع السكين اوّلاً عليه، بل ما يهمنا في هذه القضيّة، بعد الترحّم على الضحايا، هو التطرّق إلى ما أحاط بالقضيّة من تهم ما أنزل الله بها من سلطان، بدأت من أصغر “بوق” اعلامي معارض، ووصلت إلى واشنطن حيث أدانت وزارة الخارجية الأمريكية، مقتل عروبة وابنتها، متهمةً الدولة السوريّة دون أن تسمّيها وبصورة غير مباشرة حيث جاء في نص البيان أن أمريكا تشعر بـ”أسف شديد” حيال مقتل حلا التي عملت كصحفية في قناة “أورينت نيوز”، “فيما أنتجت والدتها “الشجاعة” عروبة أخبارا عن ممارسات قوات النظام السوري”، وفق اليبان.
قبل أن تبرد سكيّن المجرم، بدأ الإعلام يطالعنا بالتهم السياسيّة التي تركّزت على “النظام السوري” باعتبار أن الضحيتيتن من المعارضة، فف حين علق معن بركات، شقيق عروبة، النظام المجرم يستهدف معارضيه، تحدّث أحدهم عبر حسابه على “فايسبوك” عن أحمد بركات واصفاً إيّاه بأنه من استخبارات النظام السوري، وفق زعمه.
لم تقتصر الاتهامات على الاطراف الثائرة والمستغلّة لدم عروبة وحلا بطريقة خاطئة ومغرضة، بل ركّزت الخطوط الإعلاميّة في الأيام التي تلت الجريمة على فرضيات الاغتيال السياسي، وأن الحياة ثمن للموقف، في حين أن الأقل تطرّفاً بين هؤلاء، أصرّ على فرضيّة الاغتيال ( تضفي هذه الكلمة طابع سياسي بخلاف كلمة “جريمة”)، إلا أنّه وضعها في ذمّة الأمن التركي الذي نفى بالأمس كل ما سلف.
لا نعتقد أن الجرائم ستتوقّف باعتبار أن البيئة التي عاشها الشعب السوري خلال سنوات الحرب، ستفرز واقعاً اجتماعياً صعباً قد يستمر لعشرات السنيين، وبالتالي لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن فرضية الاتهام السياسي، الذريعة المعلّبة التي تحضر عندما يُراد التطرّق إلى أي قضيّة غامضة، تعدّ خيانة لدماء الضحايا، بل إنّها تشجّع المجرمين، أو من لهم ثأر، على أن يصبحوا مجرمين عبر استغلالهم لهذه الظروف بغية تصفية حساباتهم كون المتّهم سيكون حاضراً، وبالتالي يُفلتون من العدالة. في الحقيقة، إن أكثر المتضرّرين من هذه السياسية المستخدمة من قبل المعارضة، هم المعارضين أنفسهم، كون التهمة نحو النظام ستكون أسهل بكثير في حال كانت الضحيّة من المعارضة، ففي حال اختلف أي صحفي معارض مع سياسي معارض أو عسكري، قد يبرّر الأخير قتله ورمي الكرة في ملعب الدولة السوريّة.
ثانياً: لن تتوقّف الجرائم عند حدود عروبة وحلا، رغم أنّنا نتمنى ذلك، بل إن البيئة الاجتماعيّة السورية تحتاج إلى سنوات للترميّم، وبالتالي من المعيب في أي جريمة لاحقة استباق نتائج التحقيق كون هذا الأمر لا يخدم الضحيّة ولا المجتمع السوري في دول تواجدهم. إن هذه الجريمة النكراء أعطت للدولة السورية الحقّ في تذكير جميع الأطراف، الإقليمية والدوليّة، بقضيّة حلا وعروبة في حال وقوع أيّ جريمة مماثلة.
ثالثاً: إن كافّة الأصوات المعارضة بصورة سلميّة لا تشكّل أي خطر على الحكومة، بل على العكس تعمل الدول السورية اليوم على حلحلة من تورّطوا بحمل السلاح بغية حلّ مشكلة أكبر تتمثّل في انهاء الأزمة معها معاناة الملايين من أبناء الشعب السوري. هنا لا نستبعد أن يلجأ أي مجرم، سواء داخل سوريا أو خارجها بعد ارتكاب جريمته، إلا حمل السلاح لرميّة سريعاً عبر تسليم نفسه وتسوية أوضاعه.
رابعاً: بناءً على ما تقدّم تتضح ضرورة التعاون بين الدول التي يتواجد بها اللاجئون السوريون مع الحكومة السورية بغية التخفيف من معاناة هؤلاء، بل ومشاركة المعلومات حول أي قضيّة، لاسيّما اللاجئين الذين يمتلكون سجلات إجراميّة في سوريا. فكام بدأت العديد من الدول، بينها مصر وروسيا وغيرها، بالتوافد أمنياً نحو سوريا بغية الاستفادة من المعلومات المتعلّقة بالمسلّحين الأجانب التي تمتلكها الدولة السورية، لا بدّ لتركيا ولبنان والأردن وألمانيا، التعاون قضائياً مع سوريا، بغية الحفاظ على الأمن الاجتماعي لهم، قبل سوريا.